وشملت البطولة، الأكبر في تاريخ القارة مع 24 منتخباً بدلاً من 16، سلسلة محطات طبعت في الذاكرة، من مدغشقر التي بلغت الدور ربع النهائي في مشاركتها الأولى، إلى أداء دون المتوقع من نجوم يتقدمهم المغربي حكيم زياش، وصولا إلى تألق تاريخي للمنتخب الجزائري المتوج باللقب وسط حضور استثنائي للجماهير المصرية رغم عدم تواجد الفراعنة في المباراة النهائية.
في ما يأتي عرض لأبرز محطات النجاح والإخفاق في أربعة أسابيع من العرس القاري، قبل تجدد الموعد في الكاميرون عام 2021.
نجمة جزائرية ثانية
انتظرت الجزائر طويلاً بين لقبيها. بعد التتويج على أرضهم عام 1990، غاب محاربو الصحراء عن العرش القاري لنحو ثلاثة عقود، واحتاجوا إلى مدرب محنك اسمه جمال بلماضي لرسم النجمة الثانية على قميصهم الأخضر، وطي صفحة الخيبات التي عانوا منها في الأعوام الأخيرة.
ينسب إلى بلماضي الفضل في مصالحة الجزائريين مع اللقب. في خضم الحراك السياسي الذي تشهده البلاد منذ أشهر، منح النجم السابق ولاعبوه شعبهم فرحة اللقب بعد بطولة أجمع فيها النقاد على أن الجزائر قدمت المستوى الأفضل فيها. لقب مستحق بالنسبة إلى بلماضي بعد أداء متماسك في مختلف الخطوط، وسبعة انتصارات في سبع مباريات "فاز المحاربون على كوت ديفوار في ربع النهائي عبر ركلات الترجيح" بخط هجوم فتاك لاسيما عبر القائد رياض محرز وبغداد بونجاح، ودفاع صلب يدعمه الحارس رايس مبولحي الذي تلقى هدفين فقط.
حسمت الجزائر اللقب الثاني بفوز متجدد في هذه البطولة، وبالنتيجة ذاتها (1-صفر)، على المدرب آليو سيسيه والنجم ساديو مانيه، ومنتخب السنغال الذي يعد الأفضل إفريقيا بحسب تصنيف الاتحاد الدولي (فيفا).
أنهى محاربو الصحراء البطولة أيضا بهيمنة على الجوائز الفردية: لاعب الوسط اسماعيل بن ناصر أفضل لاعب، ومبولحي أفضل حارس، وبلماضي أفضل مدرب. اختير اللاعبان، إضافة إلى محرز وعدلان قديورة، ضمن التشكيلة المثالية التي أعلنها الاتحاد الإفريقي ("كاف").
اللقب والأداء الذي قدمه خلال الأسابيع الماضية، جعلا من محرز مرشحا شبه أوحد لجائزة أفضل لاعب إفريقي في ختام العام الحالي، ومنافساً مطروحاً لجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، بعدما ساهم أيضاً في احتفاظ فريقه مانشستر سيتي بلقب الدوري الإنكليزي.
مدغشقر المفاجأة
بلاد رئيس الاتحاد القاري أحمد أحمد قدمت صورة مشرقة تناقض المشكلات التي واجهها ابنها في إدارة الاتحاد.
مع المدرب الفرنسي نيكولا دوبوي، تخطى المنتخب المتواضع العقبة تلو الأخرى، وحقق المفاجأة بداية بإنهائه منافسات دور المجموعات على رأس الثانية متفوقا على نيجيريا المتوجة ثلاث مرات، وغينيا وبوروندي.
المنتخب الذي يتألف من لاعبين يدافع معظمهم عن ألوان أندية مغمورة في فرنسا، تمكن في الدور ثمن النهائي من إقصاء منتخب الكونغو الديموقراطية بركلات الترجيح، قبل أن يسقط عند عتبة المنتخب التونسي الذي اختار الدور ربع النهائي ليقدم أفضل أداء له في البطولة، وينهي المباراة فائزا بثلاثية نظيفة بعد ثلاثة تعادلات في الدور الأول، وفوز بركلات الترجيح على حساب غانا في الدور ثمن النهائي.
هداف نيجيري
تعرض أوديون إيغهالو لانتقادات حادة وتهديدات بالقتل بعد مشاركة مخيبة لبلاده في نهائيات مونديال روسيا 2018، وضعته على شفير الابتعاد عن المنتخب. لكن ابن الأعوام الثلاثين حظي بدعم واسع من مدربه الألماني غرنوت رور، وعاد مع منتخب "سوبر إيغلز" ("النسور الممتازة") إلى نسخة 2019 من البطولة القارية، لينهي المنافسات في صدارة ترتيب الهدافين مع خمسة أهداف، وخيبة الخروج القاسي في نصف النهائي على يد الجزائر (1-2)، بالركلة الحرة الرائعة لمحرز في الثواني القاتلة.
خيبة أمل للفراعنة
دخل منتخب الفراعنة واثقاً إلى البطولة الخامسة على أرضه. حامل الرقم القياسي في عدد الألقاب (7) وجد التاريخ إلى جانبه، إذ سبق له أن توج ثلاث مرات في المحطات الأربع السابقة التي حطت فيها أمم إفريقيا الرحال في مصر. في صفوفه محمد صلاح، أحد أبرز اللاعبين على مستوى العالم، والجاهز بدنياً (على عكس ما كان عليه في مونديال روسيا بسبب آثار الإصابة)، ونفسيا بعد تتويجه مع فريقه ليفربول الإنكليزي بلقب دوري أبطال أوروبا، ومعنويا بالدعم الهائل المنتظر في ستاد القاهرة.
لكن الأمور لم تسر كما اشتهى المصريون. انتصار صعب بهدف وحيد على زيمبابوي في المباراة الأولى، برّره ضغط الافتتاح وتوقعات 75 ألف مشجع في إستاد القاهرة، ونحو 100 مليون خارجه. تقدم المنتخب وأنهى الدور الأول بالعلامة الكاملة والشباك النظيفة، لكن مع تداعيات الجدل الذي أثير حول عمرو وردة واستبعاده بعد اتهامات "التحرش"، وعودته بعد ضغط اللاعبين، وانقسام المشجعين وانتقادهم حاملي القميص الأحمر، وفي مقدمهم صلاح، رأس الحربة في الدعوة الى الصفح عن اللاعب.
انطلقت الأدوار الإقصائية، ووقعت المفاجأة بهدف لجنوب إفريقيا قبل خمس دقائق من صافرة نهاية مباراة الدور ثمن النهائي، واستتبعها صمت مشجعين في أرض الملعب لم يستوعبوا ما رأوا، وسيل من الانتقادات للاعبين والجهاز الفني بقيادة المكسيكي خافيير أغيري الذي أطيح به في الأمسية ذاتها، في هزة شملت أيضا استقالة رئيس الاتحاد هاني أبو ريدة.
خروج مبكر لأسود الأطلس
فرض أسود الأطلس أنفسهم مرشحين من الدور الأول. بقيادة الفرنسي إيرفيه رونار، ولاعبين مثل زياش الذي برز في الموسم المنصرم مع أياكس أمستردام الهولندي، ومبارك بوصوفة وأشرف حكيمي، أنهى المغاربة دور المجموعات بالعلامة الكاملة والشباك النظيفة، شأنهم كشأن مصر والجزائر. حل ما لم يكن في الحسبان في ثمن النهائي، بالسقوط بركلات الترجيح أمام بنين. المفاجأة الأكبر كانت أن زياش الذي لم يظهر كل ما في حوزته في البطولة، كان أمام فرصة الانقاذ بركلة جزاء في الدقيقة الرابعة من الوقت بدل الضائع، لكن القائم كان له بالمرصاد، لتنتهي المباراة بفوز منتخب بنين المتواضع بركلات الترجيح.